جمهورية
مصر العربية



قناة السويس

لا يقل ما كتب عن قناة السويس عن مكتبة كاملة، فقد كانت
لقرن من الزمان موضوعاً أثيرا لدى الباحثين والكتاب، فهي
أداة عالمية تؤثر على مصالح ومصائر مصر والعالم، وإذا كان
النيل شريان مصر فالقناة وريدها.
وتاريخ القناة هو تاريخ مصر الحديثة فكانت القناة ذريعة
لاحتلال مصر، وكل من حاول إضعاف مصر، سعى لخنقها من
قناتها، تلحظ ذلك من معركة التل الكبير، المعركة الحاسمة
فى تاريخ الثورة العربية، وحتى العدوان الثلاثي فى عام
1956، ومن الحملة التركية خلال الحرب العالمية الأولى إلى
غارات المحور الجوية فى الحرب العالمية الثانية.
وهناك قول معبر ونافذ لهالفورد هوسكنز: " لم يؤثر عمل
أنساني مادي على علاقات الأمم بصورة أكثر عمقا مثل شق قناة
السويس، فمن الصعب أن تتصور إنجازاً أخر فى حدود القدرة
البشرية يمكن أن يغير أوضاع الطبيعة أكثر منها، فبعملية
جغرافية بسيطة اختزلت قارة بأكملها هى أفريقيا وأعادت وضع
مصر والشرق العربي إلى قلب الدنيا وبؤرة الخريطة العالمية
".
ومن يرد أن يتبين دور مصر وأهمية موقعها فعليه أن يتأمل
قصة شق قناة السويس، فشهدت ضفتاها مأساة ودراما التاريخ
الحديث، وجرت على الشعب كثيراًَ من الآلام، وخلال حفرها
دفع الكثير من العمال المصريين حياتهم فى الظروف الشاقة
لحفرها، والذين يقدر عدد من مات منهم بحوالي 120 ألف عامل،
واستشهد على ضفتيها الجنود المدافعون عن تراب الوطن فى 56
9 1، 967 1 وخلال حرب الاستنزاف وخلال حرب أكتوبر 1973.
وبعد حفر القناة بأيد مصرية آلت أرباحها إلى قوى أجنبية،
وامتلأت خزائن الأجانب بالأرباح، وغدت القناة أداة للسيطرة
الاستعمارية.
وكان نضال الشعب المصري من أجل استرداد ملكيته الوطنية
صراعاً طويلاً شاقا، انتهى فى 26 يوليو سنة 1956، بالقضاء
على السيطرة الأجنبية.
وقناة السويس هى أقصر طريق يربط البحر الأبيض المتوسط
والبحر الأحمر، يبلغ طولها 173 كيلو مترا، وتعد من أطول
القنوات المفتوحة.
وفكرة ربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض فكرة قديمة ظهرت منذ
ما يزيد على ألف سنة، فقام فراعنة مصر بحفر قناة تربط
البحر الأحمر بالنيل.
وتجددت فكرة إنشاء هذه القناة بعد الفتح الإسلامي، وظلت
قائمة حتى عام 776 م، وزحفت عليها الرمال فى زمن التدهور
والانحسار.
ومنذ القرن السابع عشر، دار صراع بين كل من فرنسا وإنجلترا
حول مصر، أي حول الطريق إلى الشرق.
يقول نابليون وهو يمهد للحملة الفرنسية.، " علينا أن نسيطر
على مصر وأن نحفر قناة بين البحرين المتوسط والأحمر، لكي
ننزل بالإنجليز الهزيمة "، وكانت حملة سنة 1798 م، وقام
خلال حملته بتنظيم الأعمال الخاصة بمشروع حفر قناة، ولم
يكتمل المشروع بعد هزيمته وخروج الفرنسيين من مصر.
ورفض محمد على فكرة إقامة القناة خشية تسرب النفوذ
والأطماع الأجنبية.
ونجح الفرنسي فرديناند دى ليسبس عام 1854 فى الحصول من
والى مصر سعيد باشا على امتياز حفر قناة السويس، ويعلق
المؤرخ البريطاني إدوارد ديزى على هذا الامتياز بقوله:
"،لم يحدث أن منح امتياز يقدم تلك المزايا للحاصل عليه،
ويلقى تلك الأعباء على عاتق من أصدره مثل امتياز قناة
السويس ".
وخاطب فرديناند دى ليسبس أيام شق القناة قائلا: " إنك قد
حددت معركة كبرى للمستقبل "، وتم افتتاح قناة السويس فى
احتفال ضخم يوم 17 نوفمبر سنة 1869، وكانت الإمبراطورة
أوجينى ضيفة الشرف على الخديوي إسماعيل، وأعد الموسيقار
الإيطالي فردى أوبراه الشهيرة عايدة لتعرض فى الأوبرا
ولكنها أجلت وعرضت مسرحية غنائية أخرى وتعرضت القناة
لمخاطر كثيرة، وأغلقت أول مرة بعد عدوان 1956 لمدة تزيد
على عام، وسد هذا الشريان العالمي بعد عدوان 1967 للمرة
الثانية خلال عقد واحد حوالي ثماني سنوات.
وأمام القناة تحديات كثيرة، أبرزها تلك المنافسة بين النقل
البحري والطرق البديلة سواء البرية منها أو البحرية، سواء
خطوط الأنابيب أو الناقلات العملاقة، وقد أقامت فى إسرائيل
خطوط أنابيب نفط تصل ما بين إيلات وعسقلان بطاقة تصل إلى
حوالي 80 مليون طن سنويا.
وقبلت القناة تحدى الناقلات العملاقة، وجددت شبابها وتم
أكثر من مرة توسيع قطاعها وتعميق غاطسها